الفتح الأخميني الأول لمصر

(تم التحويل من First Achaemenid conquest of Egypt)
الجزء الغربي من الامبراطورية الأخمينية، حيث تظهر الأراضي المصرية.[1][2][3][4]


الفتح الأخميني الأول لمصر وقع عام 525 ق.م، وأدى إلى تأسيس الأسرة السابعة والعشرين، والمعروفة أيضاً باسم "الساتراپ المصري الأول" (فارسية قديمة: Mudrāya[5]). وهكذا أصبحت مصر ساتراپاً تابعاً للإمبراطورية الأخمينية حتى عام 404 ق.م. مع الحفاظ على العادات والمواقف الملكية المصرية.[6] قاد الغزو قمبيز الثاني، الذي هزم المصريين في معركة پلوزيوم، وتُوّج نفسه فرعوناً. انتهى حكم الأخمينيين بتمرد أميرتايوس وتنصيبه فرعوناً. وشهدت مصر فترة ثانية من حكم الأخمينيين في عهد الأسرة المصرية الحادية والثلاثين (343-332 ق.م.).


أصل النزاع حسب هيرودوت

يصف هيرودوت كيف أن الفرعون أحمس الثاني سيُثير في النهاية مواجهة مع فارس. ووفقاً لهيرودوت، طلب قورش الكبير أو قمبيز الثاني من أحمس طبيب عيون مصري بشروط جيدة. ويبدو أن أحمس قد استجاب بإجبار طبيب مصري على العمل القسري، مما دفعه إلى ترك عائلته في مصر والانتقال إلى فارس في منفى قسري. وفي محاولة للانتقام، تقرّب الطبيب من قمبيز بشدة واقترح عليه أن يطلب من أحمس ابنته للزواج لتوطيد علاقته بالمصريين. فقبل قمبيز ذلك وطلب ابنة أحمس للزواج.[7]

پوليكراتيس، طاغية ساموس، مع الفرعون أحمس الثاني.

كان أحمس قلقاً من أن تصبح ابنته محظية للملك الفارسي، فرفض التخلي عنها؛ كما لم يكن أحمس راغباً في مواجهة الإمبراطورية الفارسية، لذا فقد دبر خدعة أجبر فيها ابنة الفرعون السابق أپريس، التي أكد هيرودوت صراحة أنه قُتل على يد أحمس، على الذهاب إلى فارس بدلاً من ابنته.[7][8][9]

لم تكن ابنة أپريس سوى نيتتيس، التي كانت، حسب رواية هيرودوت، "طويلة وجميلة". خانت نيتتيس أحمس بطبيعة الحال، وعندما استقبلها الملك الفارسي، شرحت خدعة أحمس وحقيقتها. أثار هذا غضب قمبيز، فتعهد بالانتقام. مات أحمس قبل أن يصل إليه قمبيز، لكن وريثه وابنه پسامتيك الثالث هُزم على يد الفرس.[7][9]

يصف هيرودوت أيضاً كيف اعتمد أحمس، تماماً مثل سلفه، على المرتزقة وأعضاء المجلس اليونانيين. ومن بين هؤلاء الشخصيات فانيس الهاليكارناسوسي، الذي غادر أحمس لاحقاً لأسباب يجهلها هيرودوت بوضوح، لكن الشكوك كانت حول علاقة شخصية بينهما. أرسل أحمس أحد خصيانه للقبض على فانيس، لكن المستشار الحكيم تغلب عليه، فهرب فانيس إلى فارس، والتقى بقبيز وقدم له النصح بشأن غزوه لمصر. وفي النهاية، سقطت مصر في يد الفرس خلال معركة بلوزيوم عام 525 ق.م.[9]

هزيمة پسامتيك الثالث في پلوزيوم

اللقاء بين قمبيز الثاني وپسماتيك الثالث، بعد معركة پلوزيوم، للرسام الفرنسي أدريان گينيه.
ختم أسطوانة سڤنيگورودسكي يصور ملكاً فارسياً يوجه رمحه نحو فرعون مصري، بينما يمسك أربعة أسرى بحبل.[10][11][12]

توفي أحمس الثاني عام 526 قبل الميلاد، قبل الفتح الأخميني، وخلفه پسماتيك الثالث، الذي حكم ستة أشهر فقط. بعد أيام قليلة من تتويجه، هطل المطر على طيبة، وهو حدث نادر أخاف بعض المصريين، الذين فسروه على أنه نذير شؤم. لم يكن الفرعون الشاب عديم الخبرة نداً للغزاة الفرس. بعد أن عبر الفرس بقيادة قمبيز صحراء سيناء بمساعدة العرب، نشبت معركة ضارية بالقرب من پلوزيوم (الفرما)، وهي مدينة على الحدود الشرقية لمصر، في ربيع عام 525 ق.م.[13] هُزم المصريون في معركة پلوزيوم، وتعرض پسامتيك للخيانة من أحد حلفائه، فانيس الهاليكارناسوسي. ونتيجة لذلك، اضطر پسامتيك وجيشه إلى الانسحاب إلى منف.[13] استولى الفرس على المدينة بعد حصار طويل، واستولوا على پلوزيوم بعد سقوطها. وبعد ذلك بوقت قصير، أمر قمبيز بإعدام ألفين من النبلاء المصريين علناً، من بينهم (كما يُقال) ابن الملك المخلوع.

وُصف أسر پسامتيك وإعدامه لاحقاً في كتاب التاريخ لهيرودوت الجزء الثالث، القسمان 14 و15. استُعبدت ابنة پسامتيك وبنات جميع النبلاء المصريين. حُكم على ابن پسامتيك وألفي نبيل آخرين بالإعدام، انتقاماً لمقتل السفير الفارسي وطاقم سفينته البالغ عددهم مائتي شخص. وُضع "رجل عجوز كان صديقاً للملك" في فقر مدقع.[14] وأحضروا كل هؤلاء الأشخاص أمام پسامتيك لاختبار رد فعله، ولم ينزعج إلا بعد رؤية حالة المتسول.

شفقةُ پسامتيك على المتسول أنقذته، لكن ابنه كان قد أُعدم بالفعل. ثم أُتي بالفرعون المخلوع ليعيش في حاشية الملك الفارسي.[15] بعد فترة، حاول پسامتيك إشعال ثورة بين المصريين. وعندما علم قمبيز بذلك، روى هيرودوت أن پسامتيك شرب زرنيخ أحمر ومات على الفور.[16]

ويروي هيرودوت أيضاً تدنيس مومياء أحمس الثاني عندما فتح الملك الفارسي قمبيز مصر وبالتالي أنهى عهد الأسرة السادسة والعشرين (الصاوية):

ما إن دخل [... قمبيز] قصر أحمس، حتى أمر بإخراج مومياءه من القبر الذي كان يرقد فيه. وبعد ذلك، عومل بكل أنواع الإهانات، كالضرب بالسياط، والطعن بالمناخيس، ونتف الشعر. [... ولأن الجثمان كان قد حُنط ولم يتفتت تحت الضربات، أمر قمبيز بإحراقه.[17]

النهب: التابوت الصيداوي

صُنعت توابيت مصرية بوجه بشري لملك صيدا أشمون عازر الثاني ووالده تبنيت في فترة قريبة من الفتح الأخميني لمصر. من المعروف أن توابيت مصرية مماثلة، ذات وجوه عريضة ممتلئة ومربعة الشكل، وأجسام ناعمة غير مفصلية، قد صُنعت في منف، خلال عهد پسماتيك الثاني (ح. 595–589 ق.م.) وحتى عهد أحمس الثاني (570-526 ق.م.).[18]

Sarcophagus of Eshmunazar II
صورة بالأبيض والأسود لتابوت حجري داكن اللون له وجه إنسان، يقف التابوت منتصبًا في مواجهة المشاهد.
صورة بالأبيض والأسود لتابوت حجري داكن اللون ينظر إليه جانبياً، يقع التابوت على الأرض، ويُفصل الحوض والغطاء بأوتاد.
يُعتقد أن توابيت ملوك صيدا قد تعرضت للنهب أثناء الغزو الأخميني لمصر، ونُقلت إلى صيدا لإعادة استخدامها في الجنازات الملكية.

كانت التوابيت التي عُثر عليها في صيدا قد صُنعت في الأصل في مصر لأفراد من النخبة المصرية القديمة، ثم نُقلت إلى صيدا وأُعيد استخدامها لدفن ملوك صيدا. توقف تصنيع هذا النوع من التوابيت في مصر حوالي عام 525 ق.م. مع سقوط الأسرة السادسة والعشرين، ولذلك يفترض إيلاي أن الصيداويين استولوا على التوابيت وأحضروها إلى صيدا أثناء مشاركتهم في فتح قمبيز الثاني الأخميني لمصر عام 525 ق.م.[19][20][21][22]

بينما استُخدم تابوت تبنيت، العائد لوالد أشمون عازر الثاني، مع تابوت مُهدى على واجهته بنقش مصري طويل باسم قائد مصري، كان تابوت أشمون عازر الثاني جديداً، وقد نُقش عليه إهداء كامل باللغة الفينيقية على سطح نظيف. ووفقاً لرينيه دوسو، ربما تكون والدته الباقية على قيد الحياة، الملكة أمواشتارت، هي من أمرت بصنع التابوت الجديد، وهي من رتّبت عملية النقش.[23]

يُحتمل أن التوابيت، على الأقل جزئياً، قد استولى عليها ملوك صيدا كغنيمة. يروي هيرودوت حادثة قام فيها قمبيز الثاني "بنهب مقبرة في منف، حيث فُتحت التوابيت وفُحصت الجثث التي كانت تحتويها"، مما قد يكون هو السبب وراء إزالة التوابيت واستيلاء رعيته الصيداويين عليها.[24] هذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة لتابوت تبنيت، الذي كان مخصصاً بالفعل لرجل عسكري يُدعى پنپتاح وربما تم تدنيسه، في حين أن تابوت أشمون عازر غير المكتمل وغير المخصص بعد ربما تم الحصول عليه من ورشة عمل في منف.[24]

هذه التوابيت (ومن المحتمل أن التابوت الثالث كان ينتمي إلى الملكة عمواشتارت) هي التوابيت المصرية الوحيدة التي عُثر عليها خارج مصر.[25]

تمثال مصري لداريوش الأول

تمثال مصري للإمبراطور الأخميني داريوش الأول كأحد فراعنة الأسرة المصرية السابعة والعشرون؛[26] 522–486 ق.م؛ منحوت من الجرواق، بارتفاع: 2.46 م؛[27] "مصر" مكتوبة باسمها التقليدي كمت (𓈎𓅓𓏏𓊖، "الأرض السوداء")، يظهر ضمن البلدان الخاضعة للإمبراطورية الأخمينية، في أسفل التمثال. متحف إيران الوطني، طهران.
جندي مصري في الجيش الأخميني، حوالي 480 ق.م.، على نحت نافر في مقبرة خشايارشا الأول.

تمثال داريوش الأول المصري هو تمثال للحاكم الأخميني داريوش الأول، يحمل أيقونات ونقوش مصرية. يُعد هذا أشهر مثال على التماثيل المستديرة التي بقيت من العصر الأخميني.[26] صُنع التمثال في مصر من الجرانيت الرمادي (الجرواق)، ثم نُقل إلى سوسة، ربما على يد خشايارشا الأول.[26] "مصر" مكتوبة باسمها التقليدي كمت (𓈎𓅓𓏏𓊖، "الأرض السوداء") يظهر ضمن البلدان الخاضعة للإمبراطورية الأخمينية، في أسفل التمثال.[26]

الأدبيات اللاحقة

كان الغزو الأخميني موضوعاً لرواية نثرية قبطية من أواخر العصور العتيقة، تُعرف باسم رومانسية قمبيز. النص غير مكتمل، لكن يبدو أنه يستند جزئياً إلى تقاليد محلية.[28][29]

المراجع

  1. ^ O'Brien, Patrick Karl (2002). Atlas of World History (in الإنجليزية). Oxford University Press. pp. 42–43. ISBN 9780195219210.
  2. ^ Philip's Atlas of World History. 1999.
  3. ^ Davidson, Peter (2018). Atlas of Empires: The World's Great Powers from Ancient Times to Today (in الإنجليزية). i5 Publishing LLC. ISBN 9781620082881.
  4. ^ Barraclough, Geoffrey (1989). The Times Atlas of World History (in الإنجليزية). Times Books. p. 79. ISBN 0723003041.
  5. ^ electricpulp.com. "ACHAEMENID SATRAPIES – Encyclopaedia Iranica". www.iranicaonline.org (in الإنجليزية). Retrieved 2017-09-30.
  6. ^ "Achaemenid rule over Egypt". UCL.
  7. ^ أ ب ت Herodotus (1737). The History of Herodotus Volume I,Book II. D. Midwinter. pp. 246–250.
  8. ^ Sir John Gardner Wilkinson (1837). Manners and customs of the ancient Egyptians: including their private life, government, laws, art, manufactures, religions, and early history; derived from a comparison of the paintings, sculptures, and monuments still existing, with the accounts of ancient authors. Illustrated by drawings of those subjects, Volume 1. J. Murray. p. 195.
  9. ^ أ ب ت Herodotus (Trans.) Robin Waterfield, Carolyn Dewald (1998). The Histories. Oxford University Press, US. p. 170. ISBN 978-0-19-158955-3.
  10. ^ "a Persian hero slaughtering an Egyptian pharaoh while leading four other Egyptian captives" Hartley, Charles W.; Yazicioğlu, G. Bike; Smith, Adam T. (2012). The Archaeology of Power and Politics in Eurasia: Regimes and Revolutions (in الإنجليزية). Cambridge University Press. p. ix, photograph 4.6. ISBN 9781139789387.
  11. ^ "Victor, apparently wearing the tall Persian headdress rather than a crown, leads four bareheaded Egyptian captives by a rope tied to his belt. Victor spears a figure wearing Egyptian type crown." in Root, Margaret Cool (1979). The king and kingship in Achaemenid art: essays on the creation of an iconography of empire (in الإنجليزية). Diffusion, E.J. Brill. p. 182. ISBN 9789004039025.
  12. ^ "Another seal, also from Egypt, shows a Persian king, his left hand grasping an Egyptian with an Egyptian hairdo (pschent), whom he thrusts through with his lance while holding four prisoners with a rope around their necks." Briant, Pierre (2002). From Cyrus to Alexander: A History of the Persian Empire (in الإنجليزية). Eisenbrauns. p. 215. ISBN 9781575061207.
  13. ^ أ ب The New Encyclopædia Britannica: Micropædia, Vol.9 15th edition, 2003. p.756
  14. ^ The Histories, by Herodotus, Book III.14, Penguin Classics
  15. ^ "Herodotus, The Histories, book 3, chapter 15, section 1". www.perseus.tufts.edu.
  16. ^ The Histories, by Herodotus, Book III.15, Penguin Classics
  17. ^ Herodotus, The Histories, Book III, Chapter 16
  18. ^ "Metropolitan Museum of Art". www.metmuseum.org.
  19. ^ Elayi 2006, p. 6.
  20. ^ Versluys 2010, p. 7–14.
  21. ^ Buhl 1983, p. 201.
  22. ^ Nitschke 2007, p. 71–72.
  23. ^ Dussaud, René; Deschamps, Paul; Seyrig, Henri (1931). La Syrie antique et médiévale illustrée / R. Dussaud, P. Deschamps, H. Seyrig (in الإنجليزية). p. Plaque 29.
  24. ^ أ ب Kelly, Thomas (1987). "Herodotus and the Chronology of the Kings of Sidon". Bulletin of the American Schools of Oriental Research (268): 48-49. doi:10.2307/1356993. ISSN 0003-097X. JSTOR 1356993. S2CID 163208310.
  25. ^ Kelly, Thomas (1 November 1987). "Herodotus and the Chronology of the Kings of Sidon". Bulletin of the American Schools of Oriental Research. 268 (268): 48. doi:10.2307/1356993. ISSN 0003-097X. JSTOR 1356993. S2CID 163208310.
  26. ^ أ ب ت ث Razmjou, Shahrokh (1954). Ars orientalis; the arts of Islam and the East. Freer Gallery of Art. pp. 81–101.
  27. ^ Manley, Bill (2017). Egyptian Art. Thames & Hudson. p. 280. ISBN 978-0-500-20428-3.
  28. ^ MacCoull, Leslie (2018). "Cambyses Romance". In Nicholson, Oliver (ed.). The Oxford Dictionary of Late Antiquity, Volume 1: A–I. Oxford: Oxford University Press. p. 284. ISBN 978-0-19-881624-9.
  29. ^ John Dillery (2005), "Cambyses and the Egyptian Chaosbeschreibung Tradition", The Classical Quarterly 55 (2): 387–406, doi:10.1093/cq/bmi038 .

المصادر